"عودة النازحين ضرورة".. تقرير صحفيّ يروّج للكراهية ضدّ السوريّين
كلارا نبعه
تحدد المادة 317 من قانون العقوبات اللبناني آليات العقاب فيما يتعلق بـ "كل عمل وكل كتابة وكل خطاب بقصد منها أو ينتج عنها اثارة النعرات المذهبية أو العنصرية..."بالسجن لفترة قد تصل إلى ثلاث سنوات وبدفع غرامة مالية. آلية قانونية واضحة وجب منا التوقف عندها لفهم خطاب الكراهية ومنهجيته وضرورة تفريقه عن مبدأ حرية الرأي والتعبير كركن من عملنا الصحافي خلال البحث عن الحقيقة.
واللافت هنا مجموعة مقالات تزخر بلغة تحريضية ومصطلحات تؤثر على القارئ/ة وتشكل لغة لوم نحو أي شخص يحمل الجنسية السورية سواء كان مقيم أو لاجئ.
"النزوح السوري عبءٌ يثقل لبنان"، عنوان لمقال نشرته منصة "هنا لبنان" الالكترونية بتاريخ 16 شباط/فبراير 2024: "المجتمعات اللبنانية تُستفزّ من الوجود السوري"، "تكلفتهم ضخمة على الاقتصاد اللبناني"، "عدد النازحين السوريين يقارب ثلث سكان لبنان"، هذه المصطلحات هي عيّنة من مضمون المقال الذي يحمل توقيع- ريتا صالح. وتزامن تاريخ النشر مع انتشار خطاب المحرّض تجاه اللاجئين/ات السوريين في لبنان وتصريحات ضدهم/ن.
ترويج للكراهية
"خطاب الكراهية" هو مصطلح قانوني ولذلك قد يختلف تعريفه عالمياً كنص مدون او كتشريع لأسباب سياسية او لضمان حماية المساواة وحرية الرأي والتعبير. غير أن النصوص القانونية تدين اي خطاب مبني على العنصرية والتحريض على الكره والعنف تجاه شخص أو مجموعة بناء على العرق، الدين، التوجه الجنسي كما النوع الاجتماعي (الجندري).
خلال مراجعة الجزء الأول من المقال المنشور، يتبيّن لنا أن المقالة تقدم العلاقة بين اللاجئين السوريين واللبنانيين على أنها متوترة يعود كون اللاجئين يستفيدون من خدمات اجتماعية، لا بل في أغلب الأوقات "أصبحت المجتمعات اللبنانية تُستفزّ من الوجود السوري إذ باتوا يزاحمون اللبنانيين على الخدمات الصحية والاجتماعية، التربوية والصحية". هذه الصورة تقدم صورة امتياز وانحياز تجاه اللاجئ/ة السوري/ة على حساب اللبنانيين/ات وبسببها هنالك خلل في الاقتصاد اللبناني كما في التركيب الديمغرافي للسكان.
اللغة وفعل التحريض
ومن الناحية اللغوية يقوى فعل التحريض على أي لاجئ/ة كما مقيم/ة سوري في لبنان. وتقدم هذه اللغة الاتهامية كما لو أنها أدلّة على سوء تأثيرهم على لبنان وعلى ضرورة عودتهم/ن دون تقديم معالجة اجتماعية علمية لكيفية تحضيرهم لعودة آمنة كما لما هو دور المؤسسات العامة في تنظيم عملية وجودهم/ن في لبنان ويظهر جلياً في النص : "النزوح بات يشكل عبئاً كبيراً على لبنان"، "النازحون يزاحمون اللبنانيين على الخدمات"، "المجتمعات اللبنانية تستفز من الوجود السوري".
وبالتالي كتابة نصوص دون اخذ السياق العام وأدلة قانونية قد يؤدي لا فقط إلى تنميط وتعمم صور مبنية على الكره، بل على نزع الانسانية من اي انسان وعلى تبرير الأذية بحجة خطر الوجود كما بتسليط الضوء على قصص فردية وجعلها عامة. وفي العودة إلى المقال،
إنّ الذرائع التي تمّ تقديمها من شأنها أن تخلق مشاعر الكراهيّة ضدّ اللاجئين/ن والمقيمين/ات السوريين، وأن تثير ردة فعل سلبية. مع بعض العبارات الواردة والتي ترقى إلى مستوى التحريض على الكراهية، قد يغذي ذلك التوترات بين اللبنانيين واللاجئين والمقيمين السوريين ويؤدي إلى ارتفاع مستوى الصدامات.
ويتوافق نص المقالة وعنوانها مع تحيز تأكيدي تم تشكيله عبر مأ يسمى "رأي خبير" في السياسات العامة وشؤون الهجرة دون معرفة السياق الذي تحدث فيه. في حين من الضروري التحدث علمياً عن أسس الإعادة إلى الوطن، لا يقدم المقال نقاشاً جدياً حول الموضوع.
ومن خلال البحث في منصة "هنا لبنان" الالكترونية، رصدت معدّة التقرير عينة من الأخبار والتقارير المتعلقة باللاجئين السوريين، جاء من ضمنها تقرير بعنوان "مصير صادم للبنانيين: السوريون سيصبحون أغلبيّة… والشارع لن يهدأ بعد اليوم!"، وآخر بعنوان: "السلاح السوري على الطرقات… قلق أمني وارتفاع معدل الجريمة".
ويبدو لنا كأنّ هذا التقرير هو لسلسلة تقارير وأخبار تنشر صور نمطية وتساهم في تعزيز الخلاف، التمييز والتحريض والعقلية الثنائية لـ "نحن" في مقابل "هم" التي تعزز الشعور بالانقسام وتغذي العداء. هنا هنا هنا هنا
الأرقام المضللة كحقائق
تضمّن التقرير معلومات غير دقيقة، لا سيّما لجهة العدد المضخّم للاّجئين السوريين في لبنان إذ زعم أن "عدد النازحين السوريين يقارب ثلث عدد السكان في لبنان".
في حين من جهة، يبلغ عدد سكان لبنان بحسب موقع Worldometer الإحصائي حوالي 5,251,451 مليون نسمة بالاستناد إلى تقرير صدر عن شعبة السكان في دائرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة.
وتُشير تقديرات السلطات اللبنانية التي صُرّح عنها في تشرين الأول 2022 إلى أنّ عدد اللاجئين السوريين/ات في لبنان بلغ مليونين و80 ألفاً أي حوالي 40% من عدد السكان اللبنانيين، إلاّ أنّ ذلك يتعارض مع الرقم الذي تقدّره مفوضية الأمم المتحدة والذي يُشير إلى وجود حوالي 800 ألف لاجئ سوري مسجّل رسمياً حتى تاريخ 31 آذار 2023، ويُشكّل هذا الرقم حوالي 15% من عدد سكان لبنان.
من جهة، اعتبر الباحث أديب نعمة، متخصص في التنمية والسياسات الاجتماعية، لمنصة "شييك" أنّه لا يمكن الأخذ بأرقام الأمن العام اللبناني، لأنه يعتمد على بيانات إدارية غير دقيقة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الارقام التي يُعلن عنها المسؤولون لأنها سياسية وليس لها علاقة بالواقع على الاطلاق.
ويوضّح نعمة أنّه بالعودة إلى آخر إحصاء أجرته إدارة الإحصاء المركزي في لبنان في العام 2019 يظهر لنا أنّ عدد المقيمين من غير اللبنانيين في لبنان لا يتجاوز الـ 20% من العدد الإجمالي للّبنانيين، وبالتالي فإنّ النسبة التي يتمّ الإشارة إليها في التقرير (40%) غير دقيقة.
من هنا، إنّ الأرقام المضخّمة التي تمّ استخدامها وإن كانت تتوافق مع الأرقام الصادرة عن السلطات اللبنانيّة، إلاّ أنها التقرير تبنّاها دون الوقوف عند الأرقام الأخرى، علماً أنّه من الضروري الإشارة إلى التضارب في الأرقام الذي يمكن أن يعكس موقف الجهات المعنيّة من وجود النزوح السوري في لبنان/ وفق ما أكده لنا نعمة
معلومات غير دقيقة
التقرير المنشور تناول معلومات عديدة قابلة للشكّ، منها الحديث عن تأثير الوجود السوري على الاقتصاد اللّبناني، أو الحديث عن الاستفزاز الذي يسبّبه اللاجئون السوريون للّبنانيين ويؤدي إلى وقوع صدامات فيما بينهم.
في هذا الإطار، يُشير الباحث أديب نعمة إلى أنّ هذا التقييم وما يترافق معه من أحكام مسبقة هو عنصريّ بحت، ففي الواقع إنّ ملايين الدولارات دخلت إلى لبنان بحجة دعم السوريين، كما أنّه في ذروة الوجود السوري في العام 2014-2015 زادت فرص العمل وساهمت بتنشيط الاقتصاد اللبناني، فضلاً عن أنّ القوى العاملة السورية أنقذت القطاع الخاص اللبناني.
ويستعين نعمة أيضاً بدراسة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أظهرت أن مقابل كلّ دولار تمّ إنفاقه على المساعدات الإنسانية للاّجئين السوريين كان له تأثير قدره 1.6 دولار على الاقتصاد اللبناني.
أمّا الحديث عن "الاحتقان" الذي يشهده لبنان بين اللبنانيين والسوريين، فيعتبر الباحث أنه غير صحيح، فلا يوجد أي وقائع مادية حقيقية تشير إلى وجود صدامات تُشكّل ظاهرة في لبنان، كما أنّ التوترات السابقة لم تحدث في مناطق يتكاثف فيها وجود اللاجئين السوريين: "لم نسمع عن توترات في عكار مثلاً".
مخالفات مهنيّة
ونظراً إلى أنّ الأخبار المضللة تشكّل أداة لتعزيز خطاب الكراهيّة، من المهمّ التحقق من المعلومات قبل نشرها، والابتعاد عن كلّ ما من شأنه أن يبثّ المشاعر السلبية لدى معالجة التقارير المتعلقة بالنزوح السوري في لبنان، وذلك يمكن أن يتحقّق من خلال الالتزام بالقوانين المحلية والدولية.
حرصاً على أهميّة نشر معلومات دقيقة، كان من الأجدر أن تتجنّب كاتبة التقرير الوقوع في فخّ المخالفة المهنية لمعايير ومبادئ الأخلاقيات الإعلامية التي وضعها ميثاق الشرف الإعلامي اللبناني، إذ ينصّ في المادة 13 على ضرورة "الحرص على إيصال المادة الإعلامية إلى الجمهور بطريقة موضوعية وموثوقة وواضحة تحافظ على صحتها ودقتها وصدقيتها وشفافية مصادرها".
كما كان من المهمّ الالتفات إلى المواثيق الدّولية التي تناهض التحريض على الكراهيّة، يأتي من ضمنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يحظّر في المادة 20 منه "أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف".
إذاً، المعلومات التي استُخدمت في هذا التقرير "النزوح السوري عبءٌ يثقل لبنان" تصنّف على أنها ترويجٌ لخطاب الكراهيّة ضدّ اللاجئين السوريين في لبنان، ومحاولة للتحريض والتمييز ضدّهم، والمساهمة بتأجيج التفرقة العنصرية عبر استخدام أرقام وادّعاءات غير دقيقة ومضلّلة.
-
صمم المركز اللبناني لحقوق الإنسان برنامج تدريب المراقبين/ات على التحقق من معلومات وحقائق تتعلق بحقوق الانسان وكيفية رصدها في وسائل الإعلام وقدمه ضمن مشروع "حماية حقوق الإنسان وسط الأزمات في لبنان"، الممول من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية. ونشر المقالات بالتعاون مع منصة "شييك" للتحقق من الأخبار الكاذبة.
محتوى هذه المقالة والآراء التي تعبر عنها هي خاصة ولا تعكس بالضرورة موقف المركز أو آرائه دوماً.