للمرة الأولى في لبنان: محكمة التمييز الجزائية تصدق قرار يعتمد على القانون 2017/65 

بتاريخ 14/12/2022 صدر قرار عن حضرة قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية الدائمة قضى بما يلي: " سنداً للمادة 4 من القانون 2017/65، قانون معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وعطفاً على قرارنا رقم 160/2022 تاريخ 29/11/2022 منع المحاكمة عن المدعى عليهما ع.ا و ر.أ بموجب المواد 325 عقوبات و5 و6 من قانون 11/1/1958 و72 أسلحة لعدم الدليل".  

وبالرجوع الى حيثيات ووقائع الدعوى، يتبين انه بتاريخ 24/08/2022  تم توقيف المدعى عليهما ع.أ. و ر.أ بموجب محضر مكتب بنت جبيل في مديرية النبطية الإقليمية لأمن الدولة بجرم ترويج المخدرات وتعاطيها، والشبهة بالانتماء الى تنظيم داعش،  

وعند اطلاع قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية على التحقيقات الأولية تبين في متنها أن المدعى عليهما اعترفا بكل ما نُسب اليهما، 

غير أنه خلال التحقيق الاستنطاقي أمام قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية الدائمة أنكر المدعى عليهما كل ما نُسب، إليهما في التحقيق الاولي لانتزاع أقوالهما بالضرب والتعذيب  

وكان قاضي التحقيق عينه قد أوكل اليه النظر في ملف وفاة بشار عبد السعود تحت التعذيب في مكتب أمن الدولة عينه، وخَلُصَ الى اتهام ضابط وعناصر من مكتب بنت جبيل حيث جرى التحقيق الأولي مع المدعى عليهما بموجب المادة الأولى من القانون 2017/65 البند ب/4، والظن ببعضهم بالمادة الأولى من القانون 2017/65 البند ب/1 و بالمادة 166 قضاء عسكري، وقد وثق مفوض الحكومة آثار التعذيب على المدعى عليهما وكلف طبيباً شرعياً للكشف عليهما وعلى الموقوفين الآخرين، وأثبت التقرير الطبي تعرض جميع الموقوفين في مخفر بنت جبيل للضرب المبرح والجلد و أن الضرب كان عنيفاً ما خلف خدوشاً سطحية غير نازفة في طور الالتئام، 

وبعد اطلاع قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية الدائمة على الأدلة والوقائع الثابتة أصدر قرار بإبطال أقوال المدعى عليهما في الإفادة الأولية لورودها تحت التعذيب سنداً للمادة 4 من القانون 2017/65، ومنع محاكمتهما بجرم الإرهاب لعدم وجود دليل، 

غير أنه وبتاريخ لاحق، ميز مفوض الحكومة المعاون قرار قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية الدائمة أمام محكمة التمييز الجزائية "لمخالفته الواقع الجرمي الثابت والنصوص القانونية وذلك لتغاضيه عن فداحة الجرم ماهيته ومداه ... لا سيما أن المدعى عليهما اعترفا، في التحقيقات الأولية"، متجاهلاً بذلك ورود الاعتراف تحت التعذيب وغياب أي دليل تحت ذريعة خطورة الجرم المسند إليهما، مع الإشارة الى أنه تم اثبات الضرب والتعذيب من قبل مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بعد أن عاين المدعى عليهما وآخرين وأثبت تعرضهما للجلد على الظهر والأرجل، 

في ضوء ما تقدم، عملت رئيسة القسم القانوني في المركز اللبناني لحقوق الانسان على تمثيل المدعى عليهما ع.أ. و ر.أ والدفاع عنهما أمام محكمة التمييز الجزائية، 

وبتاريخ 1/6/2023 صدر عن محكمة التمييز الغرفة السادسة الجزائية قرار صدق قرار قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية الدائمة وأبرمه، مستنداً الى عدم وجود دليل على ارتكاب المميز ضدهما الجرائم المدعى بها وعدم إمكانية الاستناد الى الإفادة الأولية عملاً بأحكام القانون 2017/65 "طالما ثبت أنها صدرت عن المميز ضدهما نتيجة التعذيب"، 

في مدى أهمية القرارين: 

بناءً على ما تقدم تتبين أهمية قرار قاضي التحقيق وخصوصاً بعد تصديقه من قبل محكمة التمييز الجزائية، وهو أمر إيجابي غير مسبوق على الصعيد القانوني وعلى صعيد حقوق الانسان وذلك لما يلي:  

أولاً، تكريس أحكام القانون 2017/65: 

صادق لبنان في عام 2000 على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وعلى بروتوكولها الاختياري في عام 2008. 

ومن ثم تم إقرار القانون 2017/65 تطبيقاً لمتطلبات الاتفاقية المذكورة أعلاه في 19 أيلول/سبتمبر 2017، 

غير أنه، وبالرغم من تعزيز تدابير الحماية ضد التعذيب سواء من خلال القانون 2017/65 أو انشاء اللجنة الوطنية لمناهضة التعذيب عام 2019 أو تعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إلا أن ممارسات التعذيب بقيت سائدة كما بقي تجاهل حصولها ومحاسبة مرتكبيها من قبل الجهات القضائية والأمنية المختصة، 

وبالتالي، يكون قرار قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية قد كرس للمرة الأولى منذ إقرار القانون 2017/65 أحكام المادة 4 من القانون عينه وأبطل ادلاءات تم الحصول عليها تحت التعذيب، وان تصديق القرار من قبل محكمة التمييز يجعل منه سابقة قانونية يُحتذى بها ويمكن الاستناد عليها في دعاوى مماثلة لاحقة، 

ثانياً، حجر أساس لتمكين الموقوفين الذين تعرضوا للتعذيب من اللجوء الى أحكام القانون 2017/65: 

نصت المادة 3 من القانون 2017/65 على ما حرفيته:  
«لا يبدأ سريان مرور الزمن على الجرائم المنصوص عليها في المادة 401 إلا بعد خروج الضحية من السجن او الاعتقال او التوقيف المؤقت إذا لم يتبعه سجن». 

ولكن في الواقع، غالباً ما يمتنع الموقوفون الذين تعرضوا للتعذيب عن الادعاء أمام القضاء وفقاً لأحكام القانون 2017/65 لعدم ثقتهم بالقضاء وبجدوى هذه الدعوى،  

لذلك فإن للقرار الصادر عن محكمة التمييز تأثير معنوي إيجابي على كل موقوف تعرض للتعذيب ويرغب في الادعاء، 

ثالثاً، عدم تبرير التعذيب بالجرم الحاصل أو الجهة التي ارتكبته: 

ان قرار محكمة التمييز الجزائية في بيروت، يشكل تقدماً ملحوظاً في معاقبة التعذيب ومحاسبة مرتكبيه بغض النظر عن الجرم المسند الى الموقوف وعن الجهة الأمنية المسؤولة، 

فإن عدنا الى عام 2019، حيث شهدنا وفاة الموقوف حسان الضيقة الذي زعم قبل وفاته أنه كان يتعرض للتعذيب والصعق بالكهرباء خلال توقيفه لدى قوى الأمن الداخلي، فقد تم تجاهل مزاعمه وشكوى عائلته من قبل الجهات المختصة ولم يتم تطبيق الإجراءات القانونية والأصول الاجرائية المنصوص عليها في القانون 2017/65،  

أما اليوم، وبعد أربع سنوات من الجهد المستمر والعمل الدؤوب تمكنا من الحصول على قرار يكرس أحكام القانون 2017/65 ويعاقب مرتكبي التعذيب،  

ختاماً، وفي ظل التجاهل السائد لحالة الموقوفين في السجون وتقاعس الدولة عن تأمين أبسط حاجاتهم، وعدم إقرار المراسيم اللازمة لإعمال اللجنة الوطنية لمناهضة التعذيب. يأتي هذا القرار كحجر أساس لقرارات مستقبلية مماثلة، وذلك بالتزامن مع العمل على تعديل بعض أحكام القانون 2017/65 التي لا تتطابق مع المعايير الدولية وأبرزها منح صلاحية البت بدعاوى التعذيب للقضاء العدلي لا المحاكم العسكرية.